على شفير الموت …! (قصة مرضي في لندن)

احتفلت بعيد ميلادي ال٣٦…اقصد ٢٦ كما قررنا  في ذلك اليوم  .. تاريخ ٢٧ نوفمبر٢٠١٦ وقد احتفلت به مع والدتي واخواتي رنا ووفاء وابنة خالتي روزة واثنتين من صديقاتي العزيزات نورة وآمنة  .. في شقة متواضعة في لندن، شعرت بالسعادة لانها كانت مفاجأة جميلة بعد خروجي من الغرفة وكان الجميع بانتظاري اذكر بأن هناك شمعة على كعكعة صغيرة والجميع يرتدي بجامته، كانت ليلة عفوية بسيطة وصغيرة ولكنها كبيرة في قلبي.

كان من المفترض أن أجري عملية قبل ميلادي بأسبوع ولكن أجلتها لتاريخ ١ ديسمبر وكانت العملية بسيطة، وهي إزالة كيس على المبيض ولكن كان لابد من إجراء العملية حتى لا يكبر أكثر ويتلف المبيض حسب كلام الدكتورة أمينة شفيق في مستشفى بورتلاند في بريطانيا.

في الحقيقة لا أعلم لمَ وثقت بهذه الطبيبة وهي … لا استطيع أن اشرح ما اشعر به فهو  رأي شخصي .. ولكن قدر الله ماشاء فعل!

العملية في مستشفى بورتلاند

في الصباح الباكر من يوم ١ ديسمبر ٢٠١٦ خضعت للعملية وكانت عملية بالمنظار وهي إدخال الكاميرا في فتحة السرّة وفتحتين على جانبي البطن من الأسفل لإجراء العملية. بعد انتهاء العملية التي استغرقت حوالي ٤٠ دقيقة أيقظوني من التخدير ولم يتركوني في حالي -.-!! صحوت من المخدر وأنا أشعر بألم في حلقي وأعتقد بأنه تم جرحي -لا أجزم- ولكن كنت أختنق وأتألم وأخبرت الممرضة بأنني أختنق وكأن روحي تخرج فطمئتني وقالت لا بأس عليكِ! هدأت من روعي، قرأت المعوذات وآية الكرسي وأكثرت من الإستغفار. كان شعوراً جديداً مع أني قمت بعملية منظار للمعدة سابقاً ولكن لم أشعر بهذا الألم.
خرجت من مستشفى بورتلاند في اليوم التالي وقد وصفوا لي المضادات الحيوية والمسكنات وكنت آخذها بشكل يومي وانتظام. كنت أتابع آخر مشروع في دراستي للماجستير، مع مجموعة من زملاء الدراسة وكنا ٦ أشخاص، عن طريق سكايب ومحادثة جماعي في الفيس بوك. دوري هو أن أشتغل على اعادة تصميم المنتج وقمت بالواجب وأنهيت التصميم بتفوق! وكنت أخرج برفقة أهلي وصديقاتي مساءً.  في اليوم السادس من العملية زادت حالتي سوءً، مع أنه قيل لي بعد أسبوع سأكون بصحة أفضل وأتعافى بسرعة ولكن لم يحدث ذلك بل على العكس .
ذهبت للدكتورة أمينة شفيق  وأخبرتها بأني أعاني من آلام وتعب شديد اشعر برجفة في جسدي ليلاً كما كانت لدي حرقة شديدة في المثانة عند ذهابي للحمام وبطني لا يتحرك بشكل طبيعي. كنت آخذ حبوب الفولترين فقالت احتمال كبير من المسكنات فهي تمسك البطن. فتوقفت مع أني كنت اتألم فبدأت آخذ البراسيتامول فقط. أخبرتني من المحتمل أني أُصبت بالتهاب، فغيّرت لي المضاد وبدأت في تناوله. وعندما عدت للبيت نفس الشيء كان يحدث لي كل ليلة. أشعر برجفة وأبرد واشعر بأنني مصابةٌ بالحمى إلا أنني كنت باردة ودرجة حرارتي عادية وكنت أحضن مطارة الماء الحار وأحاول أن أنام.
حالتي في ذلك الوقت، قلّت حركتي في البداية كنت أخرج وأتمشى إلى السوق صحيح كان بشكل بطيء إلا أني كنت اتحرك! وفي اليوم السابع والثامن كنت كل ليلة أرتجف ولم أستطع النوم، أغمض عيني وأصحو بعد ساعتين فقط، كنت استلقي أكثر وقتي فقد كان هناك ألمٌ شديد يصاحب أي حركة أقوم بها وكنت أشرب الكثير من الماء وآخذ البراسيتامول والبروفين والمضادات.
الشيء الغريب هو أني كنت اشرب الكثير من الماء وعندما أذهب إلى الحمام كان خروج (البول)-أعز الله القارئ- قليل جداً مع ألم شديد في المثانة وكانت هذه أعراض التهاب المثانة على حسب تحليلي الشخصي.
عدت مع صديقتي إلى مدينتي نوتينجهام في الثامن من ديسمبر حيث كان لدي تدريب عرض للمشروع الأخير في الجامعة. وفي التاسع من ديسمبر فجراً، زاد علي الألم، فقمت بتشغيل القرآن بكيت وانهمرت دموعي من شدة الألم، قامت صديقتي العزيزة بنصحي بالمشي قليلاً فقمت ومشيت ثم استلقيت لأنام. وكنت البس الملابس الثقيلة لأني كنت اشعر بالبرد وأرتجف وآلام في بطني تعصرني وبالطبع لم أستطع النوم كانت محاولات غفوة وكأن جسدي لا يريد الاستسلام للنوم فلم أكن أعلم ماذا كان يحدث في داخلي حتى لا يستسلم جسدي للنوم!!
في صباح اليوم التالي، ومع أننا كنا في الشتاء ودرجة الحرارة كانت ٧ درجة مؤية فقد كنت أتصبب عرقاً حين خرجت وتوجهت للجامعة مع زملائي من الفريق. وعندما شاهدوا حالتي استغربوا وأعتقد بأنهم أشفقوا على حالي حيث كنت أذهب للجامعة وأنا بكامل أناقتي فكان منظري الآن بالنسبة لهم كصدمة! وعندما وصلنا غرفة الاجتماعات في الجامعة بعد مشي نصف ساعة كانت الصدمة كذلك على وجه المشرفة واشتاطت غيظاً على رئيسة الفريق حيث لم تعذر حالتي. ولكن أخبرت المشرفة بأني كنت أفكر كثيراً في درجاتي ولا أريد أن أرسب او حتى أؤجل التخرج! قالت لي المشرفة عودي للمنزل فوراً وتعالجي ولا أريد أن أراكِ إلا بصحة جيدة ولن تتأثر درجتك في العرض فأنتِ معذورة. حقاً كنت أريد التخرج وأن اعود لبيتي وأسرتي وأرى أبنائي فقد اشتقت إليهم كثيراً!

يمكن دلع؟

توجهت إلى لندن مباشرة للدكتورة أمينة شفيق، ومازلت أعود إليها ولا أعلم لماذا لم أتوجه إلى غيرها!!!! انا شخصياً استغربت من نفسي!
شرحت لها وضعي وكم كنت متعبة وأنا أبكي وأشعر بأن هناك التهاب في بطني بشكل ما وأشعر بأن الكبد بها خلل والكلى بها خلل وأمعائي بها خلل والتهاب في المثانة !! من شدة ما كنت أشعر به من ألم بدأت بتشخيص حالتي بنفسي وكان الشعور بالألم لا يُقارن حتى بيوم الولادة كان رد الدكتورة علي بأني كنت (اتدلّع) …. حسبنا الله ونعم الوكيل… فقلت لها دلعيني يا دكتورة وخليني في المستشفى ارتاح واكشفي علي عل وعسى وجدتي علّتي!!! حوّلتني للفحص، وقمت بعمل فحص بالالتراساوند وتبيّن أن هناك كيس آخر دم ظهر لي مكان الكيس الذي أزالته الدكتورة. فعدت إليها غاضبة واخبرتني بأنه عندما أزالت الكيس كان وقت التبويض لدي فتكّون مكانه كيس دم آخر سيذهب لوحده وأن الرجفة التي كنت أشعر بها كانت مجرد تغيير هرموني كما يحدث في سن اليأس من النساء …..! قلت لها اريد استشارة أخرى فذهبت عند الطبيب الآخر في نفس المستشفى وأخبرني نفس الكلام… توكلت على الله وعدت للشقة على أن أتواجد لمدة ٣ ايام في المستشفى للفحوصات والراحة يوم الاثنين ١٢ ديسمبر.

في خلال هذه الايام كنت طول الوقت على السرير أستمع إلى الرقية الشرعية وسورة البقرة وكان الألم في بطني من الجهة اليسار والجهة اليمين وجهة المعدة والمثانة، ألم عندما أتحرك أو إذا اردت ان آكل شيء.. وكنت آكل البقدونس عندما قالوا لي بأن دمي ٨ وأشرب الكثير من الماء ولا أستطيع الجلوس على الكرسي أكثر من دقيقة فكنت أستلقي والجميع يخبرني بأن أتحرك قليلاً وأمشي قليلاً بينما أنا أتعب أكثر فأكثر!
قالت لي صديقتي شيء أضحكني وهذا إذا دلّ على شيء، دل على أن صديقتي العزيزة لم تعرفني جيداً للأسف! قالت دينا توقعت بأنك قوية لكنك لا تتحملين الألم ! ابتسمت وقلت لها للأسف يا صديقتي لم تعرفيني جيداً بعد!
نمت في المستشفى ٣ أيام وفي خلال هذه الفترة كانت صديقتي هناء قد ولدت بنتاً جميلة في نفس المستشفى وهناء صديقتي الصدوق التي أرى بها نفسي فهي صديقتي وأختي.  كنت أمشي لأرها واجلس معاها وكانوا يعطوني ترامادول Tramadol مسكن للآلام بالابر حتى أستطيع أن أتحرك.

وآخر ما توصلت إليه الدكتورة في نهاية التحاليل أنني أعاني من التهاب وأعطتني مضاد حيوي وتوجهت للشقة!!

حديث النفس

من تاريخ ١٥ حتى ١٧ ديسمبر ليلاً… ساءت حالتي أكثر فأكثر .. اختفت الرجفة وبدأت حرارة جسمي بالإرتفاع مع أني كنت أتعرق طول الوقت ولم تكن تنخفص وأقول لأختي حرفياً  بكل هدوء “أشعر بأني بطني يحترق وكأن هناك Acid في بطني يحرقني”!!
لم يغفى لي جفن، كنت انظر إلى السقف طول الوقت بدون أن اتحرك، وأذكر عندما تأتي نورة وهي قلقة لتواسيني وتسألني كيف تشعرين! قلت لها  بهدوء وانا انظر للسقف “أشعرُ بأنّي في عالم البرزخ” إذا لم اتحرك لا أشعر بأي ألم..
في بداية التعب كنت أصلي وأنا جالسة ثم وأنا مستلقية ثم لم أستطع حتى وأنا مستلقية أن أصلي من شدة الألم والتعب فكلما قلت بسم الله تألمت وبدأت دموعي تنهمر لا أستطيع التحرك، نعم لهذه الدرجة!!
ثم بدأت اتلفّظ بجملة واحدة وأرددها “أبي ارجع البيت..أبي اشوف عيالي..”لم أكن أتكلم لا أستطيع النوم ولم يغفى لي جفن أبداً، كنت مستلقية أرتفع قليلاً لأشرب الماء فكل حركة أقوم بها أتألم منها وكان الألم في بطني من جميع الجهات لم أكن استطيع أن احدد أين كان الألم… و ظهرت أعراض جديدة غريبة. لم أكن أعاني من نزلة برد ولكن بدأت بالسعّال (كحّة) ولا أستطيع أن أتحدث فكنت أختنق وأسعل عندما أتحدث ولا أستطيع أن آخذ نفس طويل.. هل هذه هي النهاية!؟

عندما شعرت بأن هذه هي النهاية ابتسمت واستسلمت .. فرحت وحزنت .. فرحت بأن الله أراد تطهيري من الذنوب قبل الذهاب إليه من ذلك العذاب الذي كنت أعيشه.. وحزنت أن ابنائي لم يودعوني فقد مرت أربعة أشهر منذ آخر مرة رأيتهم وقبلتهم وودعتهم! بعدها توقفت عن البكاء وانتظرت الأجل وأنا اردد “أبي ارجع البيت أبي أشوف عيالي”…

كان من المفترض أن تاريخ ١٨ ديسمبر هو يوم السفر، ولكن قبلها ب١٢ ساعة تحدثت أختي مع زوجي، وزوجي لم يكن يعرف بحجم المعاناة التي كنت أعيشها، فأختي أصرت على زوجي بأن يحجز تذكرة ويأتي مع ابني الصغير حسن..عندما شرحت وضعي لزوجي قال لها “هذه ليست دينا على طبيعتها يجب أن تأخذوها للطواريء حالاً! إن الأمر ليس بالشيء الهين” أو كما قالها بالعامية (اللي فيها شي جايد)!!

مستشفى سانت ماريا

كنا قد خططنا أن نذهب للطائرة وأتمالك نفسي وفي الطائرة أخبرهم بأني تعبة واحتاج أن أُنقل للمستشفى فور نزول الطائرة وأن تستقبلني سيارة إسعاف ولكن قدر الله وماشاء فعل. دخلت علي أختي الحبيبة رنا وقالت “مافي سفر!!” وأتصلت على الإسعاف ونقلوني لمستشفى سانت ماريا الحكومي في لندن.

بعد فحص الدم تبين بأني أعاني من التهاب شديد جداً جداً جداً (يكاد يكون تسمم في الدم) فتسارعوا إلي وأعطوني ٣ مضادات في الوريد. وتم فحصي لإيجاد حل للمشكلة التي أدت إلى هذا الالتهاب الحاد! وكنت على سرير مع أربع مرضى نتشارك الغرفة ^^!

١٨ ديسمبر مساءً، كانت الحرارة ٣٩.٥ ولم تنخفض حتى مع باراسيتامول في الوريد. وكنت أعاني من ألم في المثانة شديد وكنت أجزم بأني أعاني من التهاب في المثانة ولكن التحاليل تُظهر عكس ذلك..غريب! وبعد فحص الأشعة الفوق صوتية (التراساوند) اخبروني بأن قناة فالوب فيها التهاب شديد ومن الممكن ان نقوم بعملية استئصال وهو ماكان يسبب لي حرارة في الجسم حسب تشخيص المستشارين.

معاناتي الظريفة بالنسبة لي طوال فترة مكوثي في المستشفيات كانت في إيجاد وريد (عِرق) لوضع المغذي والمضادات! لم يستطع أحد من طاقم التمريض أن يُدخل الإبرة إلا ممرضين أصحاب خبرة أو أطباء! وقد تم ثقب يدي الاثنتين أكثر من ٤٠ مرة منها تجارب بعض الممرضات للوصول إلى وريد جيد..وتغيير الإبر يمكن ١٦ مرة في يدي للمغذي والمسكن والمضاد فقد كان الوريد يُغلق فتنتفخ يدي حيث يدخل السائل تحت الجلد، ويضطرون إلى البحث عن عِرق جديد!! ^^!

مستشفى كرومويل

والدتي الحبيبة الغالية ماكنت أعرف ماذا سأفعل بدونها! كانت تقوم بكل ما تستطيع من قوة حتى تجد لي المستشفى المناسب وفي النهاية وجدت مستشفى كروم ويل ودكتور اسمه د.رسلان. كرومويل مستشفى خاص وسيلبون لي جميع الاحتياجات المطلوبة! في الحقيقة لم أكن أهتم أين انام فكل شيء حولي لم يعد يهمني ولا حتى حالتي النفسية والشخصية! وافقت وتوكلت على الله..توجهنا بالاسعاف بعد أخذ كل الفحوصات إلى مستشفى كروم ويل في تاريخ 19 ديسمبر ليلاً.

كانت لي غرفتي الخاصة وحمامي الخاص والممرضات لطيفات وظريفات كذلك كان المكان مريح جداً. جاء د. رسلان وكان لطيفاً جداً وأخبرني من الفحوصات التي قرأها أنه “فعلاً هناك تقرحات في الرحم يجب إزالتها ولن يكون من السهل إزالتها إلا بعملية ولن تفيد المضادات الحيوية حيث أكملتِ أكثر من 48 ساعة ولم تنخفض الحرارة. سنقوم أولاً بعمل أشعة سي تي سكان غداً صباحاً ونقرر نوع العملية”. حاولت النوم تلك الليلة واستمروا في وضع المضاد في الوريد حتى تنخفض حرارتي ومع ذلك لم تنخفض الحرارة (ومؤشر تحليل البروتين في الدم CRP كان 361 ولم ينزل أبداً حتى بعد المضادات في حين الطبيعي يكون مابين 5-10) إذاً لابد من العملية مرة أخرى! لمعرفة معنى  تحليل الـCRP اضغط هنا

في اليوم ٢٠ ديسمبر بعد أشعة السي تي سكان جاء الدكتور ظهراً وقال لي بعد أن اطّلع على الأشعة: “سوف نقوم بعمل العملية غداً صباحاً ويجب أن تكوني صائمة”، ثم قال: “سيكون معنا جراح باطني استعداداً لحدوث أي طارئ وسوف يرى الأشعة اليوم ويقرر كذلك”… ولكن يبدو أن د.رسلان شاهد شيئاً غير طبيعي في الأشعة لا يتعلق بالرحم فقط فهو طبيب نسائي لماذا يستدعي جرّاح باطني!؟ المهم توكلت على الله وما باليد من حيلة كنت أرضى بأي شي.
بعد ساعة بالضبط عاد د.رسلان وأخبرني بأنهم سيجرون العملية اليوم مساءً !!! وأنهم رأوا أن اليوم أفضل حيث وجدوا غرفة شاغرة! هل هذه الحقيقة أم أن الجرّاح الباطني وجد شيئاً غير طبيعي في بطني؟! حاول الدكتور أن يطمئنني بأن العملية ليست سوى منظار وإن اضطروا ربما يقومون بشق صغير في أسفل البطن ولن تستغرق سوى أربعون دقيقة!
عندما جاء موعد العملية اخبرت دكتور التخدير بأن لا يوقظني وأن ينتبه عندما يُدخل الأنبوب حتى لا أختنق كما أختنقت سابقاً كنت خائفة بعض الشيء من التخدير لا أنكر!

العناية المركزة
عندما فتحت عيني وجدت نفسي على السرير ألتفت حولي ولكن لا يمكنني ان أتحرك! كنت على سرير يقوم بعمل مساج للجسم كامل كما أنهم ألبسوا رجلي آلة مساج كذلك! كنت مرتاحة جداً ولم أستوعب أني في العناية المركزة! كانت الممرضة بعد عدد من الساعات تغيّر وضعيتي من الوضع اليمين إلى اليسار والعكس! نظرت حولي قليلاً فوجدت أن هناك مغذٍ وإبرة أخرى لحقنة المورفين لتسكين الألم! أضغط عليها كل خمس دقائق أو عندما أشعر بالألم ومرة أخرى مضاد حيوي. كذلك بعض من الأجهزة على صدري لا أعلم لمَ كانت! بدأت أستوعب ماحولي شيئاً فشيئاً، كنت مرتاحة حتى تحركت قليلاً فاكتشفت ان هناك انبوباً ممتداً من بطني ينتهي بكيس وفيه بقايا دم وقسطرة!

خطأ طبي؟

كان د. رسلان يزورني كل يوم ليطمئن علي وكذلك طبعاً أهلي وأصدقائي.
عندما خرجت من العناية المركزة ونزل معدل الالتهاب واختفت الحرارة. زارني الدكتور فسألته مالذي جرى لي بالضبط!!
فأسرد قائلاً: في وقت العملية وعندما وضعنا أنبوب المنظار (الكاميرا) في مكان السرّة  (وقبل الثقب الثاني جهة اسفل البطن) رأيت أنبوب (القسطرة) يخرج من فتحة في المثانة! فأخرجت المنظار وأسرعنا في عمل شق طولي من السرة حتى أسفل البطن (طوله مايقارب ال٩”)  فقد كان هناك ثقب مايقارب السنتمر في المثانة  وهذا الثقب سبب لك تسمم في الدم، وكانت أمعاءك شبه متفحمة (سوداء) بسبب دخول البول للداخل فقد كانت تحترق وكانت متلاصقة ومائلة تضغط على الكلى كما أن الزائدة الدودية (أو كما نسميها الدودة الزايدة) ملتهبة فأزلناها، وغسلنا الأمعاء، واعدناها كما كانت، وكان الرحم متقرّح ويُخرج قيئاً بسبب الإلتهاب فنظفنا المكان، ووضعنا الأنبوب الذي تشاهدينه ليسحب بقايا السوائل من البطن وسيتم ازالته بعد ٣  ايام تقريباً او اربعة إن شاءالله، وقمنا بخياطة فتحة المثانة ووضعنا لك القسطرة حتى يلتأم الجرح، وستضعينها في المنزل لمدة اسبوعين تقريباً! كما اضطررنا أن نضع لك كيسين من الدم أثناء العملية فقد نزفتِ ودمك كان أساسا نازل فتغيّر لونك وأصبحت بشرتك رمادية شاحبة ولكن الله كان بك رحيم وجسدك كان يقاوم وبشدة كنتِ فعلاً قوية والحمدلله  أنّك على قيد الحياة!
والسبب؟ لم يكن هناك أي تحليل آخر إلا أن الدكتورة أمينة شفيق أخطأت فثقبت المثانة. إما أنها كانت تعلم بعد ذلك بخطأها وأهملتني ولم تشأ أن تعترف وتنتظرني لأموت أو هي جاهلة في مهنتها !!!
ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل …

تعافيت والحمدلله وعدت إلى بيتي بعد شهر  من إجراء العملية وبعد التأكد من أنه لا خطر علي في ركوبي للطائرة.

شكرا خاص لمن كان لهم دور كبير في الوقوف بجانبي عندما كنت في اسوأ حالاتي: 
أمي الحبيبة، أخواتي الغاليات رنا ووفاء، صديقاتي العزيزات آمنة ونورة وهناء ومنال، الزميل سميح الأدهم، أمي الروحية فاطمة جاسم، خالي الحبيب أحمد الكواري وابن خالي سالم، شكراً لزيارتي فاطمة خلفان وابنتها نورة، خالتي زمزم وبناتها هالة ودينا، شكراً لوالدي العزيز على تواصله معي وزوجي العزيز. ولكل من تواصل معي وتحمّد لي بالسلامة ..أحبكم جميعاً والله لا يحرمني منكم.
وأشكر كذلك دكتور رسلان ودكتور فشيشت من مستشفى بوبا كرومويل فقد اهتموا بي اهتماماً كبيراً!! وأنصح بهذا المستشفى للعلاج وجدت فعلاً فيه طاقة ايجابية وراحة.

****************

العبرة!!؟
كانت هذه التجربة في حياتي مهمة من نواحي كثيرة وتعلمت منها الكثير وأتذكرها دائماً ولا يجب أن أنساها حتى لا أنسى العبرة منها!

وتعلمت ألا اعتمد على طبيب واحد وأستشير أكثر من طبيب.  وأن الله أعطاني عمراً جديداً وأن هذه الدنيا فعلاً لا تساوي شيئاً بدون صحة الإنسان. لا المال ولا البنون ولا الجاه ولا النعيم الذي كنا نعيش فيه ولا حتى الأحلام التي أردنا أن نحققها فادني في شيء عندما فقدت صحتي وكنت على شفير الموت!

نظرتي لهذه الدنيا التافهة تغيّرت! فلا أحزن على مافقدته أو لم أحققه ولا أحزن على هدف لم أصل إليه ولا رزق ابتعد عني ولا شخص حقد علي ويكيد لي ولا حتى إذا جاءني مديري وقال لي أنتي مفصولة! نعم لن أحزن لأن هذه الدنيا هي مجرد جسر عبور للحياة الأخرى الأبدية فكل رزق هو بيد الله وكل أمر لم تصنعه يدينا لا نندم أو نحزن عليه لأن الخيرة فيما أختاره الله لنا

فكيف لك أيها الانسان تكره وتحسد وتحقد على عطايا ونعم الرب للناس الآخرين فهي مجرد متاع الغرور نحمد الله على ما آتانا ونتمنى الخير للغير وندعوا الله أن يزيدنا من فضله والصلاة والسلام على رسول الله

Music Reference: Kokun Hala Tenimde – Toygar Işıklı (Kara Sevda Dizi Müzikleri)Arven Records by Toygar Işıklı, Kokun Hala Tenimde – Toygar Işıklı (Kara Sevda Dizi Müzikleri), Arven Records 2017

تعليق واحد على “على شفير الموت …! (قصة مرضي في لندن)”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.